الثلاثاء، 31 مايو 2011

أول القصيدة..كفر!

إذا كان هنا قرارات حكومية مضحكة ففي مختلف دول العالم،فإن حكومة دولة الكويت الرشيدة يحق لها أن تفخر بأنها دائما ما تواكب هذه القرارات،بل أنها سباقة في كثير من الأحيان إلى ابتكار ما قد يعتبر الآخرون مزحا، لكنه يتحول بين ليلة وضحاها إلى واقع حقيقي، بل مكسب مشروع ومطالبة عادلة بفضل بعض النواب "الشعوبيين"، الذي يفضلون دائما أن يكون المواطن "الناخب" فوق الوطن!

.

لكن الإبداع الحكومي الجديد هذه المرة جاء من حيث لا نحتسب، حيث غلفه الوزير المختص -وللأسف أنها وزيرة- بالحرص على المال العام وعدم استخدام الشيء في غير محله، طبعا هذا هو تفسيري المنطقي الوحيد، أما ما هو حقا في ذهن الوزيرة فقد لا يعلمه سواها إلا الله!

.

أما ما هو القرار فهو التالي: قررت وزيرة التجارة المحترمة الدكتورة أماني بورسلي أنه يمنع منعا باتا على المواطنين بيع أو التنازل عن المواد التموينية التي يحصلون عليها من الدولة!

.

لماذا هذا القرار غريب؟ حسن لنأخذها "حبة حبة"

.

المشمول في القرار هو المواد التموينية التي تقدمها الدولة للمواطن عادة بأسعار مدعومة، والتي تصرف حاليا ولمدة سنة اعتبارا من فبراير الماضي مجانا بناء على الأوامر السامية، وتشمل مما تشمل العدس والحليب والرز والسكر والدهن، وهي جميعها تشكل موادا أساسية في أي سفرة، والقرار الصادر معناه ما يلي "ستعطيكم الدولة مؤنا غذائية، لكن لا تبيعوها وا تعطوها لأحد!"

.

قرار السيدة الوزيرة يؤخذ من جانبين، عدم البيع وعدم العطاء، وإذا ما سلمنا جدلا أنه يحق للدولة أن تتحكم بالملكية الخاصة للمواطنين كيفما تشاء -على اعتبار أن المود الغذائية تتحول ملكيتها قانونيا إلى المواطنين بمجرد استلامها- فإننا نتساءل -ولتعذرنا الوزيرة على غبائنا- عن الآلية التي ستراقب فيها الدولة الناس وهم يبيعون هذه المواد التموينية إلى آخرين، هل ستعين رقيبا دائما لكل فرد مثلا؟ أم هل تتوقع أن تلعب هذا الدور الإدارة القانونية في الوزارة لتوقف أي عقد بيع "خيشة عيش" أو "علبة حليب" بين مواطن وآخر؟ أم ربما لديهم خطة للاستعانة بعناصر أمن الدولة في هذا المجال أيضا؟ الله وحده العالم! .

وهنا لابد أن نفكر مع سيادة الوزيرة بصوت مرتفع: لو افترضنا جدلا أن رب الأسرة سيبيع كامل مواده التموينية، وهو افتراض شبه مستحيل لأن بيعها يعني أن عليه شراءها مجددا من السوق بسعر مرتفع، فكم من المال سيحصل عليه؟

.

بالتأكيد إنه مبلغ "تافه" بنظر الكثير من الكويتيين الذين أنعم الله عليهم بالخير الوفير -اللهم لا حسد- أو مبلغ "يسد حاجة" في نظر البائع والفقراء أمثاله وأمثالي، فإذا كان تافها فإن ملاحقة فاعله غير مجدية، وإذا كان يسد حاجة فلماذا تحاربون الناس في حاجاتهم؟ أليست الحكومة تتفاخر بالرفاهية التي تصنعها -من نفط أرض الكويت- للمواطنين؟ هل هو حسد مثلا؟ أم تخوف من أن يتحول "بائع تموينه" إلى تاجر ينافس مستقبلا أصحاب المعالي والهمم بعض تجار الكويت "الطيبين" الذين لا يبيعون المنتج إلا بعشرة أضعاف تكلفته بعد أن يحصلوا عليه مدعوما من الدولة؟

.

أما مسألة منع العطاء فهي الجزء الأسخف في الموضوع، لنفترض أن جاري طلب مني بعض السكر ليتناول كوب شاي، هل المطلوب مني أن أذهب إلى البقالة وأشتري السكر لأعطيه شيئا منه على اعتبار أن سكر الدولة ممنوع منحه للغير؟ وماذا عن الفقراء والمحتاجين الذين ازداد عددهم خلال السنوات الأخيرة؟قليل من المنطق ينفع ولا يضر!

.

سيادة الوزيرة، القرار فيه بنود محترمة نفتخر فيها، وهو مبني على رغبة أميرية سامية، ولعل من بين البنود توزيع البطاقات التموينية -وبالتالي الحصول على التمويل- للأخوة البدون، والذي من المقرر أن يبدأ اليوم، فلماذا تشوهيه بهذه الحيثيات المجهولة وغير القابلة للتطبيق؟ نتمنى أن تكون مجرد زلة عمل لا تتكرر، ونتمنى لك التوفيق، رغم أننا أن "أول القصيدة كفر"، وأول قراراتك التنظيمية غير مشجعة، لكن ليس أمامنا كما يبدو سوى التمني، وفي التمني شقاء.

.

أعلم أن كثيرا من القراء الكرام يتساءلون عن سبب طرحي لهذا الموضوع وتجاهلي الأحداث الأكبر والأهم على الساحة السياسية، وعلى رأسها صراع الشيخين، لكن الأسباب متعددة، أبرزها أن ما خفي في الصراع أعظم، وأن الموضوع أشبع بحثا من الآخرين فلا أملك الإضافة فيه، وأن هذا الموضوع مر علينا مرور الكرام، والسبب الأهم والأقوى أن والدتي السبيعينية وجدتي فوق الثمانينية تتساءلان: هل نعطي التموين للفقراء كعادتنا أم أنهم سيزجون بنا في السجن؟!