الخميس، 22 أغسطس 2013

إسرائيل..بالعربية!!



تفاجأت وأنا أطير في "تايم لاين" موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بتغريدة عربية الحروف صهيونية المحتوى، فرفعت عيني إلى أعلى الشاشة لأقرأ ما جعل حاجبي يرتفعان اندهاشاً، حيث الحساب يحمل اسم "إسرائيل تتكلم بالعربية" وينقل إلى العرب بلغتهم وجهات نظر وزارة الخارجية الإسرائيلية في مختلف القضايا، فضلاً عن آخر أخبار "شعب الله المختار" وإنجازاته.

طبعاً لن أتساءل لماذا لم تنشيء أي وزارة خارجية في أي من عشرات الدول الإسلامية حساباً يتكلم باللغة العبرية، أو حتى الإنجليزية، لأن ذلك سيجعلنا نكون كمن يفكّر بشكل حضاري ومتقدم والعياذ بالله، وسأذكر نماذج فقط مما ورد في هذا الحساب الذي يتابعه عشرات الآلاف حتى الآن معظمهم من العرب.

يقول الحساب في إحدى تغريداته "نموذج لقمر صناعي مدني إسرائيلي، عُرض في معرض الفضاء في الأمم المتحدة، وفيه تعرض الدول الأعضاء في نادي الفضاء المتميز- منها USA وروسيا وإيران".

بشكل سريع يمكن ملاحظة الكثير من الذكاء والخبث في هذه التغريدة، فمسمى الولايات المتحدة مثلا كتب بأحرف إنجليزية، إما ليظهر في محركات البحث أو للاختصار أو كليهما، كما حرصوا على ذكر "زملائهم" إيران وروسيا دون بقية الأعضاء، واللبيب بالإشارة يفهم!

تغريدة أخرى وردت على الحساب تعلن عن افتتاح أول ألعاب أولمبية للروبوتات في "إسرائيل"، يا سلام، ألعاب أولمبية للروبوتات، نصف الشعوب الإسلامية لا تعرف معنى كلمة روبوت، ولعل فئة أخرى ترى أنه بدعة وكفر وفيه محاولة للعب دور الخالق!

تغريدة ثالثة ورابعة وخامسة تبين مدى تطور دولتهم في المجالات العلمية وتحركات وزير العلمو والتكنولوجيا وغيره من الأخبار الغثيثة، وبالطبع هناك من يقرأ ويصر على أننا أفضل منهم، ويكفي أننا مسلمون!

في الجانب الآخر يبين الحساب مدى سماحة الإسرائيليين اللطفاء! فيؤكد تارة أن "إسرائيل  لا تعمل إلا بدافع الدفاع عن النفس، بل تبذل المستحيل لتفادي إصابة المدنيين" وكلامهم دقيق جدا، فمحمد الدرة وإيمان ومن قبلهم وبعدهم كلهم ماتوا لأن هوايتهم الموت ربما! لكن من يلومهم إذا كنا شعوبا لا تجيد شيئا أكثر من النسيان؟

ويشدد الحساب في تغريدة أخرى على وجود مجال كبير للتعاون مع "أبناء عمومتنا" العرب، قبل أن يعلن عن تأسيس حساب آخر خاص بدول الخليج لإرساء حوار بناء!

إسرائيل تتكلم العربية..ونحن نتصرف بالعبرية..وعندك واحد "حكي فاضي" وصلّحوا! 


أحمد الحيدر

@alhaidar

نُشرت في صحيفة "الكويتية" 21 آغسطس 2013

الخميس، 15 أغسطس 2013

رجل بألف دولة!

لم يكن من السهّل على أي بلد إسلامي أن يقنع أي أمريكي بسماحة الدّين وتعاليمه بعد التفجيرات الإرهابية التي نفّذها أسامة بن لادن في سبتمبر 2001 ، فما بالك بمجموعة من طلاب الجامعات الذين يغلب على من بمثل أعمارهم عادة الانسياق للعاطفة وعدم الإنصات الجيد للمبررات أمام ما تراه أعينهم من جرائم!

الكويت كما غيرها الكثير سعت لأجل هذا الهدف، فقررت عام 2003 استضافة وفد طلابي مكوّن من طلبة أمريكيين ينتمون لولايات مختلفة، وأعدّت لهم برنامج زيارة متكامل يمتد لعشرة أيام يرون فيه كل ما يمكن أن يساهم في تحقيق هذا الهدف. 

جال الطلبة البلاد طولها وعرضها، ولا أبالغ إن قلت أنني رأيت معهم أشياء لم يسبق أن رأيتها في الكويت، وبالطبع قابلنا أشخاصا كثر لم ألتقي بكثير منهم مسبقا، كان -لحسن حظي- من بينهم المرحوم الشيخ عبد الرحمن السميط. 

استمع الطلبة بإنصات ندر أن يحدث إلى شرح المرحوم والأعمال التي قام فيها مع اللجنة في مختلف أنحاء العالم لاسيما قارة أفريقيا، ولكثرة إعجابهم وانجذابهم للحديث امتد اللقاء من نصف ساعة إلى ساعتين بالتمام والكمال خرج بعدها الطلبة وهم "يتفكرون": كيف يكون هذا الرجل مسلما والآخر الذي فجّر البرجين مسلما؟ لماذا يجب أن يكون ذلك هو القدوة وليس هذا؟ ما دور الإعلام ولماذا لا يرينا مثل هذه النماذج؟ وعشرات الأسئلة غيرها!

قال لي أحد الطلبة بعد انتهاء اللقاء؟"إنه رجل عظيم..أنتم محظوظون فيه..بل إنه رجل بألف دولة!". 

بعدها بسنوات جاءتني أخبار عن تحركات هؤلاء الطلبة، وكيف أنهم نقلوا الصورة لكثير من المجتمعات الطلابية هناك، وهم من أهم فئات المجتمع، وكيف تغيرت الصورة الذهنية لديهم عن الدول الإسلامية من دول تحتوي خيام وإرهابيون هوايتهم القتل إلى "بشر" يحبون مساعدة الآخرين ويستنكرون "الشواذ" الذين يتلذذون بالدماء. 

منذ ذلك الحين وأنا أشعر بالفخر لانتمائي إلى ذات الأرض التي ينتمي إليها المغغفور له بإذن الله، واليوم لا يستطيع مثلي إخفاء حزنه على رحيله، ليس خوفا عليه من الحساب الذي سيكون -والله أعلم- خفيفا لكثرة عمله الخير وتخفيف المرض من ذنوبه إن وجدت خلال الأيام الأخيرة من عمره، بل لأن مثل هذا الرجل يصعب جدا أن يتكرر في ظل تحوّل الدين إلى سلعة تجلب الكثير من الأرباح الدنيوية، رياء يصفّر رصيد الآخرة، لكن ذلك لا يهمّ البعض طالما أن رصيد البنك عامر..ولكل امرئ ما نوى.


السبت، 10 أغسطس 2013

جريمة في وضح النهار!


تحت درجة حرارة فاقت الخمسين، وفوق رصيف الشارع الذي تكاد أن ترى دخانه يتصاعد، تلفتت الخادمة الآسيوية ميمنة وميسرة، راسمة علامات الخوف على محيّاها، ولمّا أيقنت أن لا بشر يراها، ارتكبت جريمتها النكراء، وأخرجت قنينة ماء من أكياس الجمعية الكثيرة التي ملأتها بطلبات سيدة المنزل، فشربت منه دون خوفٍ أو وَجَل!

 

لم أفهم لماذا تجرأت هذه الوافدة على ارتكاب هذه الحماقة؟ ألا تخاف أن يراها أحد الأشاوس المحبين لشرع الله وشريعته والساعين لتطبيقها بأقوى الإيمان "اليد" فيصفعها على وجهها المحقون بدماء التعب والمكسو بعرق الصّبر؟ ألا تدرك أنها خالفت أحد أهم وأعظم القوانين في دولتنا التي تعج بالقوانين الرائعة والمفيدة للبشرية جمعاء؟ كيف ستأمن العائلة على أبنائها من هذه الشريرة وتضمن أنها ستربّيهم تربية حسنة؟ كيف ستنال مجددّاً شرف إرسالها في هذا "اللاهوب" إلى الجمعية لتشتري كامل احتياجات "المعزبة" قبل أن تبدأ مراحل الطبخ والنفخ والفرش والغسل والكنس وتلبيس الأطفال بعد "تسبيحهم" وكي الثياب وغيرها؟ أمامها فرصة عظيمة لتعمل ٢٤ في اليوم وتنال مقابلاً لا يتجاوز أحياناً ستون ديناراً وتضيعها من أجل شربة ماء؟ لابد من توبيخها حتى تحترم قوانين دولتنا المجيدة ولا تجرؤ على مخالفتها مجددا!

 

كما النسر، انقضضت عليها، راحت تنتفض خوفاً بين يدي؟ كيف لا وأنا من قبض عليها متلبسة بالجرم المشهود!

 

صرت أصرخ فيها، وأعربد وأزبّد، اجتمع الناس من حولنا، كلما ازدادوا كلما زدت من حتقي عليها وبينت كم أنا غيور على الدين! ليس رياءً والعياذ بالله لكن لتعلم أن لله رجالاً لا يخافون فيه لومة لائم، حاول بعض أعداء الدين فكاكها مني، لكن يد الله كانت معي!

 

نزلت فيها ضرباً مبرحا طمعاً بمزيد من الأجر، كيف لا ونحن في رمضان، والله يضاعف لمن يشاء بغير حساب، نقلوها إلى المستشفى، وهنا حدث ما لم يكن بالحسبان!

 

استدعاني المحقق، ضابط صغير السن يبدو من المخدوعين بلهو الحياة الدنيا، ففاجأني بالقول أن للمرأة ظروفاً شهرية يحق لها فيها الإفطار، ثم قدّم لي تقريراً حول مرض السكر الذي تعاني منه الخادمة ويبيح لها عدم الصيام، قبل أن يريني الصليب والإنجيل اللذين كانت تحملهما معها!

 

لحظات وجاءنا خبر وفاة الخادمة، ولا أفهم لماذا وضعت الأغلال على يدي؟ أهذا جزاء من يطبّق شرع الله وقوانين الدولة؟ لا يهم، فإن لي الأجر، وهي ذهبت إلى الجحيم!

 

***

ملاحظة: القصة خيالية، لكن يمكن للواقع أن يكون أقبح!

 

 

أحمد الحيدر

@alhaidar

 نُشرت في جريدة "الكويتية" ٤ آغسطس ٢٠١٣