لم تكن زيارتي الأخيرة إلى مصر قبل حوالي سنتين مجرد مهمة صحفية تضاف إلى رصيد المهمات الآخذ بالتزايد .. فقد تخلل الأيام الثلاثة التي قضيتها بين ربوع الساحل الشمالي والاسكندرية التعرف وجها لوجه بشخصية كنت أتوقع إلى حد اليقين أن يبقى الود بيني وبينها خالدا .. وأعني هنا الشاب الجامعي " الجدع " بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. خالد .
.
وخالد توضيحا للقراء الأكارم الذين أتوقع أن معظمهم لا يعرفونه هو شاب في مقتبل العمل .. لم ألتق فيه من قبل ولم أسمع فيه سوى من خلال الرجل الذي علمني الأصول المهنية للصحافة في وقت كنت أرى فيه العلوم البيولوجية هي كليتي ومستقبلي .. ففتح عيني على بواطن الأمورالصحافية والحياتية بحنان الأب الذي افتقدته مع بلوغي السنة الرابعة من العمر لوفاة والدي رحمه الله .. فكان الاحتضان الأبوي الذي يشعرك بالتعويض .. وكنت كما آمل الابن في الغربة الذي يخفف عن الرجل معاناته .. والرجل المقصود هنا وإن رفض المديح والثناء كعادته فإنني سأخالفه على غير عادتي .. وأقصد السيد المهندس والصحفي الذي قضى 30 عاما في الكويت مجاهد عابدين .
.
والسيد مجاهد كما يقال له من اسمه نصيب .. كنت أظن ذلك قبل مدة بعدما عرفت جهاده العريض في الحياة وتجاربه التي تستحق أن تدون في مجلدات ليستفاد منها كتجارب إنسانية .. إلا أنني لم أشعر بعظمة جهاده إلا قبل أيام .. حينما هاتفته فوجدته في مصر لسبب لم يفصح عنه .. فظننت أنه اشتاق لحبه الذي يهواه كما يهوى الكويت حتى النخاع .. وتمنيت له العودة بالسلامة .
.
حتى هنا كان كل شيء طبيعيا .. ولم أدرك مع قولي له " تعود بالسلامة إن شاء الله " أنه كان يذرف الدموع حزنا وألما .. وأنه كان يتمنى هذا الدعاء لولده البكر خالد .. خالد " الجدع " الذي لم يتركني طوال زيارتي إلى مصر وأبى إلا أن يجسد كامل معاني الرجولة والشهامة .. أما لماذا يبكي وابنه تزوج واستقر قبل بضعة أشهر فهنا كانت الصاعقة .. حيث أصيب خالد بسرطان في العامود الفقري - أبعد الله الأمراض عن الجميع - يؤثر على عدد من أعضاء الجسم الأخرى ولا ينفع معه العلاج التقليدي !
.
خالد ؟ الشاب الطيب ؟ لماذا يا الله ؟ اللهم لا اعتراض على قدرك ولكن نسألك اللطف فيه .. أنت أعلم بمن تبتلي وبمن تمهل .. ولكنه شاب في الخامسة والعشرين من عمره .. وهو ملتزم بما أمرته فيه باعتدال .. فاعذرنا يا إلهي عندما نحزن ونتساءل عن سبب اختياره ليصاب بالمرض النادر في موقعه .. حيث يصيب فردا بين كل 10 ملايين .. سبحانك إنك الحكيم ونحن الجهلة .. سبحانك إنك علام الغيوب ونحن الفقراء إليك .. وسبحانك إنك القادر على شفاء كل الأمراض فلا تنس من لم ينساك .. اللهم آمين .
__
أخواني وأخواتي القراء ..
اعذروني إن كان مقالي اليوم بكائيا .. واعذروني إن ضيقت صدوركم أو أحزنتكم .. لكن من يعرف شابا بهذا الصفاء ثم ينظر ماذا ابتلاه الله لا يملك إلا أن يحزن .. منذ أيام والحزن يكتم أنفاسي .. والكآبة تعلو وجهي .. فما مصيبة خالد إلا إحدى المصائب والابتلاءات التي ابتلاني فيها الله خلال الأيام القليلة الماضية ليخفف جبال الذنوب من على ظهري .. ولعلها أكبر المصائب تأثيرا .
.
اعذروني أيضا إن كانت كلماتي مبعثرة .. أو أفكاري مشتتة .. فهو الصديق والأخ الذي رغم قلة لقاءاتنا تمنيت أن يديم الله عليه نعمه الوفيرة .. ولكنه اليوم يصارع المرض الخبيث دون أن تبدو بوادر حلول .. فالإبرة الواحدة تكلفتها عشرات آلاف الجنيهات وسط ظروف مادية صعبة - طبعا - لوالده الذي لم يأكل يوما سوى بالحلال .. والعملية غير متوافرة سوى في أوربا .. وإن قدر الله ونجحت فستكون النتيجة الأفضل استئصال المرض وبقاء خالد مقعدا على الكرسي !
.
اليوم لا بسمة في المقال .. واسمحوا لي أن أطلب منكم الوقوف مع هذا الشاب المريض جسدا القوي معنويا .. فمن امتلك الدعاء فليدع .. ومن أراد المساهمة بوسيلة أخرى فليتقدم دون تردد .. ومن يعتقد أن المساهمة في نشر قصته عبر الإيميلات أو المدونات أو حتى الإشارة إلى هذه المدونة فأتمنى ألا يبخل .. فأصغر الأعمال في أعيننا من الممكن أن تكون كبيرة جدا عند الله .. ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ..
.
.
أخوكم / أحمد الحيدر