.
لمن تفضل علي وسأل عني خلال غيابي .. فإني منهمك في التحضير لمعرض الكويت الدولي المقبل للكتاب مع الزملاء في بلاتينيوم بوك للنشر والتوزيع .. وفقنا الله جميعا .. قولوا آمين!!
.
إضافة إلى مروري بعدد من الانشغالات والمشاكل التي لا أتمناها لأحد ..
.
أما السبب الرئيسي لهذا البوست ، فضلا عن وقف طول الغياب ، فهو الإعلان عن إنشاء مجموعة خاصة على الموقع الشهير Face book تحت عنوان "حملة ترشيد استهلاك الهاتف النقال" .. وهي خطوة جادة تابعة للموضوعين المنشورين سابقا في هذه المدونة حول شركات الاتصالات .. لذا يشرفني دعوتكم للتفاعل مع هذه المجموعة أو الـ group.
.
وبمناسبة الحديث عن معرض الكتاب المقبل .. وبما أن إصداري لم يجهز بعد ، والله اعلم إن كان سيجهز أصلا ، اسمحوا لي أن أعيد نشر جزء من كتابي المتواضع السابق "خنفروش" .. فمن كان قرأه منكم ويعتبر تكراره هنا أمرا مملا أرجو أن يقبل اعتذاري مقدما ..
.
مع أفضل التمنيات دائما ..
.
_______
أحلام الصبا
.
جميل أن يكون للمرء أحلاما .. والأجمل أن تتحقق هذه الأحلام .. ولكن ماذا إذا كانت هذه الأحلام على أرض الواقع غير قابلة للتحقق؟ وكيف يمكننا أن نعرف ماهية القابل منها للتحقق من عدمه؟
.
والحديث عن الأحلام يجرنا دائما نحو الطفولة .. تلك المرحلة من حياتنا التي تتميز بالصفاء وحسن النية .. هناك عندما نحلم بأن نبيت ليلتنا فوق غيمة دون أن يضحك علينا أحد .. أن نركب "السعفة"ونطير إلى حيث يعيش بطلنا المفضل في الرسوم المتحركة ، فنخاطبه ونشارك في معاركه .. أو نمشط شعرها ونقيس فستانها بالنسبة للجنس الآخر .. دون أن يستهزأ بأفكارنا ومعتقداتنا أحد .
.
ترى لماذا باتت الأحلام اليوم مرتفعة الثمن؟ ولماذا بات "تكسير المجاديف"(2) هو السمة الغالبة لدى كثير ممن نطرح عليهم أفكارنا غير التقليدية بالنسبة إليهم؟ ولماذا يجعلون للمستحيل مقرا في عقولنا رغم أن الواقع يؤكد أن الكثير من المستحيلات السابقة تحققت؟ الوصول إلى القمر كانت فكرة تدعو إلى السخرية .. الطيران نفسه كان فكرة غبية .. رؤية الآخرين بالصوت والصورة عبر صندوق صغير يسمى التلفزيون كانت ضربا من الخيال .. كل ما حولنا لم يكن له وجود سوى في أذهان الطامحين والحالمين .. فلماذا يُزرع اليأس في نفوسنا؟ ولماذا يغيب التشجيع عن عطائنا؟
.
أرجو ممن يملك موسيقى حزينة أن يشغلها فورا لأني أشعر أن كلماتي السابقة تكاد تقطر دمعا (الله هالجملة متعوب عليها) هه .. ولكن كما يقولون "بوطبيع ما يجوز عن طبعه"(3) .. ولذا فلابد من العبط والاستعباط (4) في هذا المقام السامي!
.
لنعد صياغة الموضوع تارة أخرى .. في طفولتنا نملك الكثير من الأحلام .. بعضها ساذج وبعضها الآخر طامح .. والمشكلة الحقيقية التي تواجهنا أحيانا أن أحلامنا تتغير بين مرحلة عمرية وأخرى .. فتارة نريد أن نكون مهندسين .. وأخرى نقود الطائرة .. وثالثة أطباء .. ورابعة قادة عسكريون عظماء .. وخامسة كاتب كبير (احم احم أعلم أن هذا سيتحقق على أيديكم الكريمة) .. وسادسة حفّار قبور(5) .. نعم ربما تكون السادسة وليس الأولى كما معظمكم لا تسغربوا .. وهكذا حتى نمتهن الكثير من المهن ونحن جالسون في أماكننا.
.
بالنسبة لي كانت ولازالت طموحاتي أن أكون كل ذلك .. وطبعا لأني عبقري (ما شاء الله علي) فلا يمكن أن تمضي حياتي دون أن أفعل ذلك .. ولذلك تفتقت (تفتقت .. صح ؟) فكرة رائعة حول المهنة التي يمكنني من خلالها أن أمارس جميع تلك المهن باقتدار ودون ملامة أو انطباق مثل "سبع صنايع والبخت ضايع"(6) علي .. ألا وهي مهنة التمثيل!
.
بدأ مشواري الفني الطويل .. ماذا .. من يعترض؟ متى صار طويلا؟ يا أخي عادي .. كل كومبارس وكومبارساية (غيرت هذه الكلمة ثلاثين مرة والمصحح اللغوي في الوورد لازال مصمما على الخط الأحمر(7) .. فعدّوها) يشعرك بأنه كذلك في لقاءاته الصحفية وصوره المفرودة فيها .. وكما يقول أحباءنا المصريين "محدش أحسن من حد" (8) .. المهم بدأ مشواري الحافل بالعطاء والإنجازات في مسرحية جامعية تحمل عنوان "المعلقون" .. وهي ذات فكرة محترمة وحبكة جميلة .. ولكن مشكلتها الوحيدة أن الممثلين عليهم البقاء والتنقل بين الحبال المعلقة في سقف المسرح وليس على خشبتها (لا ليس مثل القردة .. فهذا أسخف تفكير يمكن أن يطرأ على ذهن أحد!).. وبالتالي يحتاج الدور إلى مجهود بدني عالي وتركيز كبير لأداء الجمل بالصورة المطلوبة..
.
بقينا نتمرن على المسرحية لمدة تفوق الشهرين .. وعندما أقول نتمرن فأنا اعني التمارين الرياضية المقوية للجسد قبل قراءة النص .. ثم بعد أن اشتد عودنا حفظنا النص وبدأنا البروفات استعدادا لمواجهة الجماهير (طبعا العريضة كما ذكرنا سابقا .. أو كما يصر أن يقولها صاحب حقوق الملكية الفكرية الزميل فهد القبندي) دون خوف وبقلب جامد ( في أملق(9) من جامد محطوط (10) بالفريزر؟ )..وبعد بداية حفظنا وأدائنا واجهتني شخصيا العديد من الصعوبات والعراقيل ( طبعا..وإلا لما أصبحت فنانا عظيما!) أحدها لا أستطيع استيعابه حتى اليوم .. فما هو؟
.
كانت لدي جملة أردد فيها وسط سكون بضع ثوان نتيجة تعب "المعلقين" الشديد أن "الصمت يحرك فيّ شهوة النوم" .. أي أنني على وشك النوم والوقوع من على الحبل إلى الوادي السحيق .. والمفترض أن الجملة تقال بطريقة معينة كافح المخرج الفاضل لإيصالها إلى عقلي "المصدّي"() .. فكانت مشكلتي أنني كلما قلت الجملة "فطس"(11) زملائي وعلى رأسهم مصمم الإضاءة آنذاك الأستاذ فهد الفلاح من الضحك!
.
لم أكن أفهم مغزى ضحكهم حتى جربت ذات مرة حركة غير المجانين .. وهي الوقوف أمام المرآة وترديد الجملة .. وإذا بطريقة الإلقاء فكاهية عبطية من الدرجة الأولى .. فعرفت فورا لمَ كنت يومها "الصيدة"(12) ولماذا "قزرت"(13) على جملتي تلك!
.
وللحقيقة والتاريخ .. فإن الشعور الذي ينتاب الممثلون الكبار أمثالي خلال تصفيق حضور المسرحية بعد انتهائها لا يمكن وصفه .. حيث هي علامة التقدير الوحيدة المعبرة .. تماما كما الطفل الذي يبكي عندما يشعر بالجوع أو الألم .. وهكذا تنتظر التحية كتقدير مستحق على تعبك طوال الشهور الماضية .. لاسيما وأنك تتحدث عن مسرح نوعي وليس تجاريا.
.
أما تجربتي الأخيرة في مشواري الفني الطويل فكانت في مسرحية جامعية أخرى بعنوان "الصخرة" .. وكما هو واضح من عنوانها فإنها كما "المعلقون" لم تجعلني طبيبا أو مهندسا أو ممارسا لأي مهنة مشابهة .. وبالتالي اتجه اعتقادي لفشل فكرتي حول نجاح مهنة التمثيل في جعلي أمارس جميع المهن التي حلمت فيها بالطفولة.
.
تسألوني عن بقية الأدوار التي قمت فيها؟ أطلب منكم أن تعودوا لقراءة "النعي" المكتوب في بداية هذا الموضوع .. لتعرفوا أنني تحدثت عن أول وآخر عمل دون أن أملك شيئا بينهما!
.
المهم في هذا الحديث كله أنني عشت تجربة يكفيني شرفها .. فتعلمت منها واستفدت بصورة مباشرة وغير مباشرة .. وساهمت بطريقة أو أخرى في صقل شخصيتي وتلقيني بعض دروس الحياة .. وهو العامل الأهم من وجهة نظري .. وهو أيضا ما يجعلني لا أندم – غالبا – على أي خطوة أو تجربة أقدمت عليها .. وبالطبع أشجع من يقرأ هذه السطور المتواضعة على خوض تجارب جديدة .. وكسر نمط حياته التقليدية.
___
(2) تكسير المجاديف : بمعنى التحبيط .
(3) مثل محلي ، ويعني عودة صاحب الطبع إلى طبعه القديم لاحقا .
(4) العبط والاستعباط : شقيقان من عائلة الاستهبال !
(5) حفار قبور : حانوتي في بعض اللهجات .
(6) مثل يقال لمن يعمل كثيرا دون نتيجة .
(7) يشير برنامج Word بخط أحمر تحت الكلمة التي لا يعرف معناها أو مكتوبة بطريقة خاطئة .
(8) مثل عربي .
(9) أملق : أثقل دما .
(10) محطوط : تم وضعه .
(11) فطس : ضحك بشدة .
(12) الصيدة : الشخصية التي يمسك عليها مأخذ مضحك .
(13) التقزيرة : من يمضى الوقت في الضحك عليه .
.
عن كتاب "خنفروش"