لا أدري ما هو السر الخطير الذي يجعل الجمعيات التعاونية حتى اليوم تجري جردا شاملا في 31 ديسمبر من كل عام ، وكأن البضائع لا تجرد فيها دوريا ، بل وكأن جرد كل بضاعة منفردة سيضر بدقة عملية الجرد ، فيختبأ "بطل كنشب" خلف قنينة مشروب غازي ليتوه الجرّاد!
المشكلة أن من يكون "مقرودا" ويطلب منه إحضار القائمة التعاونية - وهي قائمة مشهورة بيننا نحن الأزواج المطيعون - في مثل هذا اليوم فإنه يكون ملزوما بضبط عدّاد أعصابه على السرعة القانونية وعدم الانفعال خلف برود العامل الذي يرد عليك عندما تسأله عن سلعة بكل برود "النهاردة جرد .. مفيش .. كل سنة وانتا طيب" ، فيكون لسان حالك "فرحان أوي؟" ولكنك تكتمها لكي لا تجرح مشاعره وتكون قليل ادب .. فترد التحية بأحسن منها "وأنت بألف خير وصحة وسلامة" .
__
ومع نهاية كل عام ، تتحفنا الفضائيات والصحف وحتى بعض مواقع الانترنت بملخص العام الماضي ، فتجرد كل أحداثه السياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها ، ولازلت أجهل حتى اليوم سبب ذلك ، هل يعود إلى ملء ساعات الفراغ فيها أم هو نوع من التأريخ أم أن "الجمهور عاوز كدة" ، والمشكلة أن معظم الأحداث التي يتم رصدها تكون تعيسة أو مؤلمة ، لا أدري هل لأن الحياة أصبحت تعيسة أم أن الإعلاميون كعادتهم يركزون على السلبي من الأمور أكثر ، وفي نهاية البرنامج تأتي جملة المذيعين الشهيرة "تمنياتنا لكم بسنة جديدة جميلة" ..
بعد كل ما رأينا في برنامجكم لا نظن أن هناك امكانية لتسلل الأمل إلى نفوسنا !
__
من الأمور التي لابد أن تجرد سنويا في وسائل الإعلام وهي تحظى باهتمام شريحة غير قليلة من الجمهور تنبؤات الفلكيين والمنجمين الشهيرين حول العالم ، ورغم أن كذب هؤلاء الدجالين يثبت عاما بعد عام إلا أن وسائل الإعلام تتحالف معهم لتضليل الناس ودفعهم إلى تصديق صدق بعض تنبؤاتهم ، فنجد أحدهم يقول "وفاة رئيس عربي " مع بداية العام ويظل يدعو الله أن يزهق روح أحدهم قبل نهايتها حتى يصبح مشهورا ويتبعه بعض "الطيبون" !
والمصيبة أن بعض هؤلاء الدجالين باتوا ينشرون الكتب ولهم مئات ألوف المتابعين على الانترنت وفي الصحف والمجلات ، فتارة يغلفون دجلهم بالفلك وأخرى بالكواكب والنجوم وثالثة بأضعف الإيمان لديهم وهي الأبراج التي ينجرف معها الكثير من الناس لاسيما من الجنس الأنثوي ، والسبب في ذلك لا يخفى على علماء النفس وهو رغبة الناس عامة في معرفة المجهول واكتشاف غياهب المستور .
عموما أفكر حاليا في التحول إلى منجم والبدء في التنجيم عبر مدونتي العالمية الشهيرة .. وهمتكم معنا يا شباب حتى نحصل على قرشين ينفعونا في ظل الأزمة المالية العالمية!
__
على المستوى الشخصي ، لم أحبذ يوما جرد حياتي بنهاية العام الشمسي ، فالعمل والإنجاز ليس له موسم معين ، وكذلك العقبات والمشكلات لا تنتظر حلول سنة جديدة ، وإن كان تثبيت التاريخ مفيدا في هذا الشأن لدى البعض ولكنه حتما ليس واجبا أن يكون في 31 ديسمبر .
فعلى سبيل المثال ، وصل مستوى سوء الطالع لدي إلى الحضيض خلال شهر ديسمبر ، وقد كان متقلبا طوال العام ، وبعكس العام الماضي الذي بدأ بمشكلة وإن كانت بسيطة - ذكرت في تدوينة سابقة بعنوان فعلا happy new year - فإن هذا العام جاء هادئا تبدو فيه ملامح حسن الطالع .. على الأقل خلال أيامه الأربعة الأولى ، فهل تتوقعون أن يستمر ذلك طوال العام؟ شخصيا لا أتوقع .. ولكني أدعو ربي لذلك!
__
على مستوى المدونة العزيزة وقرائها الكرام ، بت أخجل حتى من الاعتذار عن غيابي الذي يستمر طويلا بين تدوينة واخرى ، وتكاد تنفذ مني الأعذار ، ومع ذكرى ميلاد المدونة الأولى في 8 ديسمبر الماضي قررت أن أحاول جديا العودة للكتابة بانتظام فيها ، فلا أملك أمام كرم الزملاء القراء الكبير سوى الضغط على نفسي للتواصل معهم والتشرف بآرائهم ومتابعة إبداعاتهم في مدوناتهم ، لذا لزاما أن أجدد في هذا الموضوع الجردي اعتذاري وأتعهد بالعمل على العودة الجادة لعالم التدوين .. في حال رغبتم بذلك طبعا :)
__
تمنياتي أن يكون جرد اليوم خفيفا .. وكل وقت وأنتم بألف ألف خير :)