الاثنين، 23 سبتمبر 2013

تخيّل "غشامة" الأمريكان!


بعد مرور شهر على استقراري في الولايات المتحدة لاستكمال الدراسة العليا، اتصل بي صديق وسألني "كيف وجدت النّاس بالشوارع؟"، لم أكن متأكداً مما يعنيه، لكنني وجدتها فرصة للتعبير عمّا يجول في خاطري تجاه "غشامة الأمريكان" وعدم التزامهم بآداب الطريق، فأسردت على الفور:
يا أخي النّاس هنا غريبون جدّا في ما يخص قيادة السيارات..تخيّل أنّهم لا ينسون ارتداء حزام الأمان أولاً قبل فعل أي شيء، حزام الأمان..هذا الشيء السخيف الذي عندما ارتديته مرة في الوطن نظر إلي صاحبي "شزراً" مستغربا ومستفسراً عن السبب ومرددا "يا عيبو"!!
تخيّل أنهم يستعملون الإشارات عندما يريدون القيام بأي التفاف لتنبيه السائقين الآخرين..أترى مدى سخافتهم؟
تخيّل أن الجميع ملتزم بقوانين المرور حتى لو كان متأكداً من عدم وجود دورية شرطة..أترى جبنهم؟
تخيّل أنهم يعتبرون تجاوز الإشارة الحمراء شروعا في القتل!! "شدعوة" عليكم؟
تخيّل عندما تتعطل سيارة أحدهم ويقف على جانب الطريق فإن كل السيارات تلقائيا تتجنب السير في الحارة المجاورة له..وتفوّت فرصة المرور بجنبه مسرعة حتى ترعبه وتستمتع بوجهه الخائف؟
تخيّل أنّهم يصابون بـ "العقر بقر" بمجرد أن يسمعوا أو يلمحوا سيارة إسعاف..فيتجمدون في مكانهم أو يفسحون الطريق بشكل كامل بدلاً من السّير خلفها ومعرفة إلى أين ستتجه والتخلص من زحمة الشارع!
تخيّل أنهم يتركونك تدخل أمامهم وإلى حارتهم دون أن يعتبروك اغتصبت حقوقهم المشروعة أو أكلت حلال أبوهم!
تخيّل أنّك عندما تكون راجلا -وأعني هنا أنك تسير على قدميك وليس بالضرورة رجلاً- فإنهم يمنحونك أولوية المرور ولا يجعلونك تنتظر نصف ساعة قبل أن تخطي خطوة إلى الأمام!
تخيّل أنّه لا يوجد لديهم تاكسي جوّال يغيّر اتجاهه فجأة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ليُركب "عبري" ويأخذ منه نصف دينار!
تخيّل أنّه لا يوجد بينهم من يرمي سيجارته أو قاذوراته من النافذة! سامحهم الله يقطعون رزق عامل النظافة!
تخيّل أن عملية الحصول على رخصة قيادة رغم كل ذلك لا تستغرق أكثر من بضع دقائق تجري خلالهما الاختبارين النظري والعملي؟
تخيّل..ألو..صديقي؟ يبدو أنه راح يتخيّل..فأغمي عليه من القهر! لا يهم..ستصله الإسعاف خلال يومين إن شاء الله!


أحمد الحيدر
@alhaidar



الجمعة، 20 سبتمبر 2013

فن التسوّل

فن التسوّل

عندما يكون المجتمع متحضرّا، فإن كل شيء فيه يرتدي ثوب الحضارة، حتى أدنى البشر مستوى معيشيا –الفقراء- يكونون مختلفين في نمطهم وسلوكهم، فتجد التباين جليّا بين فقراء العالمين المتحضّر والمتأخّر من حيث طرق التسوّل و"ألشّحاتة".

خلال سفرنا إلى الأماكن السياحية في العالم العربي، وعموم دول العالم الثالث، يكون المنظر طبيعيا أن تجد امرأة تلاحقك من مكان إلى مكان طلبا لأي مبلغ من المال، في طريقة تقليدية للتسوّل، أو رجلا "يتصنّع" غالبا ويكون صادقا نادرا العجز ليكسب تعاطفك وتجود عليه نفسك بأي مبلغ، ولا ننسى الأطفال الذين هم "السّر" لدى أي متسوّل ناجح.

أما في معظم الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة والدول الأوربية، فإن طرق التسوّل مختلفة، حيث يندر أن تجد من "يجلّب" أو يتشبث فيك حتى ينال منك المقسوم، بل التسوّل لديهم له طريقة أخرى، حيث يعتمد على محاولة إبراز أي نوع من المهارات، كالعزف أو الرسم أو الغناء أو حتى تلوين الجسم أو الوجه والقيام ببعض الحركات، مع وضع إناء يُكتب عليه كلمة "TIPS" أي بقشيش حتى يضع فيه المارة الذين يعجبهم عمله ما تجود به أنفسهم، دون إكراه أو مضايقة.

ورغم أن كلا الطريقتين تعتمدان على إثارة عواطف المتبرع/المتصدّق لاسيما الشفقة، إلا أن هذا الاستجداء يبدو جليّا في عالمنا المتأخّر، حيث استدرار العواطف هو الوسيلة الوحيدة، بينما يتحول التسوّل إلى مسمى "عمل" في تلك الدول، وإن كانت جودته منخفضة كقبح الصوت أو سوء الرسم أو خلافه.

إذا، كأي شيء آخر في هذه الحياة، التسوّل بات فنّا لا يجيده إلا القليل، ولعلّ لكل منطقة جغرافية أسلوبها الأمثل في التسوّل، العلم بعد الله لدى المتسوّلين الذين نسمع عن بعضهم الكثير من القصص، كادعاء التسوّل لإخفاء الملايين، والويل لمن تسوّل له نفسه التعدّي على مناطقهم!

أحمد الحيدر
@alhaidar