من المتعارف عليه أن لكل كلمة في اللغة العربية معنيين: الأول اصطلاحي ويجسد المعنى المباشر للكلمة، والآخر لغوي يفسر معناها حسب موقعها من الجملة.
.
فعندما يصف الرجل المرأة مثلا بأنها "لوحة"، فإن وجه الثناء يكون فيها حينما يتبادر إلى ذهنها أنها شيء ثمين أو نادر أو ألوانه زاهية كاللوحة ، أما إذا ما فطنت إلى دهائه ومكره، واستوعبت أن مقصده "أنك جماد بلا إحساس" فإن له كل الويل والثبور!
.
وبعيدا عن "اللوحة"..عفوا المرأة وقضاياها المتشعبة، يحتل "الخروف" في موسم العيد غالبا صدارة الموضوعات المتداولة بين المواطنين، ليس لأنه "الأضحية" التي تأخذ موقعا استراتيجيا على سفرة أي منزل كبير تتجمع فيه العائلة الممتدة، بل لأن له معان لغوية أخرى كثيرة تجعل منه حاضرا وبقوة.
.
فعلى المستوى الاجتماعي، لا يمكن تفويت فرصة التندر على الرجل "الخروف"، ذلك الذي ينطبق عليه المثل الشهير "سكّانه مرته"، فيشكل فرصة للحاضرين للترويح عن أنفسهم المثقلة بالعمل أو المزهقة بقوانين المنع والضبط التي ملأت البلاد مؤخرا!
.
هذا إن كان له زوجة واحدة فحسب، أما إن كان مغامرا وله من النساء زوجتان، فإنه لا يمكن أن يتحول سوى إلى نعجة لينطبق عليه قول الشاعر:
.
تزوجت اثنتين لفـرط جهلـي...بما يشقـى بـه زوج اثنتيـن
فقلت أصير بينهمـا خروفـا...ينعـم بيـن أكـرم نعجتـيـن
فصرت كنعجة تضحي وتمسي...تـداول بيـن أخبـث ذئبيين
.
أما على المستوى السياسي، فلا يمكن أن تمر أي قضية دون أن يبحث الساسة المتصيدون – وبطبيعة الحال على رأسهم النواب – عن كبش فداء يحملونه المسؤولية في أي كارثة، فاحتراق مستشفى متهالك مثلا منذ سنوات يجب أن يقدم بسببه الوزير استقالته حتى وإن كان تولى الوزارة قبل شهرين فقط، كما أن تلف وجبة غذائية في مدرسة ابتدائية تحتمله وزيرة التربية، هذا بطبيعة الحال إن كان الكبش..عفوا الوزير.. من الخصوم السياسيين، أما إن كان من "الجماعة" أو من غير "المغضوب عليهم" فإنه يصبح كما أهل مكة .. لا تثريب عليه اليوم!
.
على الضفة المقابلة، بعض الناس، شعوبا أو جماعات، لا يمكن أن تتحرك إلا كما القطيع، فتخضع لصراخ السياسي هنا ووعود الآخر هناك، وتهتف باسمه بأعلى صوتها، كما تردد خلفه الشعارات الرنانة، ثم تنام لتصحو على مزيد من الأحلام التي لا ترى النور أبدا، لا يهم ذلك إطلاقا، فمن صفات القطيع أن ينفذ توجيهات الراعي دون سؤال أو تفكير والعياذ بالله!
.
حتى الألعاب الشعبية لم تخل منذ القدم من سيرة الخروف العطرة، فكان الأطفال ، ولعل بعضهم لازال يردد خلال لعبه أغنية "خروف مسلسل هدّوه"، دون أن يدري أن ترك أو "هدّ" هذا الخروف قد يؤدي إلى عواقب وخيمة إن لم يتم إحسان السيطرة عليه!
.
في الشأن الوظيفي، غالبا ما يتميز الموظف "الخروف" بمكانة مميزة عند رؤسائه، فهو ينفذ دون أن يعترض، ولا يمانع في مسح الجوخ بحثا عن الرضا، لذا نجده يتسلق السلّم الوظيفي أسرع بمراحل من غيره، ويحصد الترقية تلو الأخرى دون أن يبذل مجهودا سوى "المأمأة".
.
حتى إن فكر الموظف الذي لا يحبذ طريق الخراف أن يحسّن وضعه المعيشي، فأخذ كما فعل الكثيرون جزءا كبيرا من مدخراته، أو اقترض من أحد البنوك "الطيبة" للدخول إلى سوق الأوراق المالية "البورصة"، فإنه غالبا ما سيجد نفسه سار كما الخروف خلف إشاعة من هذا أو معلومة مغلوطة من ذاك، ليشتري السهم الموصى به قبل أن يهوى إلى القاع بصورة دراماتيكية، فيخسر كل ما وضعه من مال وجهد وأمل..وينتهي خروفا!
.
إذن..هكذا الخروف له شأن كبير في أوطاننا العزيزة، لكن الغريب بعد ذلك الذل كله للخروف، وربطه ربما زورا وافتراءً بصفات الجبن والخوف وضعف الشخصية، أن سعر لحم الخروف العربي هذه الأيام يبلغ ضعف سعر اللحم المستورد، رغم أن لحم الإنسان العربي – أصلا – لم يعد يساوي عشر .. بل ربما واحد على ألف من سعر الإنسان .. غير العربي!
.
.
* جميع ما ورد ذكره ينطبق على البعض لا الكل.