السبت، 10 أغسطس 2013

جريمة في وضح النهار!


تحت درجة حرارة فاقت الخمسين، وفوق رصيف الشارع الذي تكاد أن ترى دخانه يتصاعد، تلفتت الخادمة الآسيوية ميمنة وميسرة، راسمة علامات الخوف على محيّاها، ولمّا أيقنت أن لا بشر يراها، ارتكبت جريمتها النكراء، وأخرجت قنينة ماء من أكياس الجمعية الكثيرة التي ملأتها بطلبات سيدة المنزل، فشربت منه دون خوفٍ أو وَجَل!

 

لم أفهم لماذا تجرأت هذه الوافدة على ارتكاب هذه الحماقة؟ ألا تخاف أن يراها أحد الأشاوس المحبين لشرع الله وشريعته والساعين لتطبيقها بأقوى الإيمان "اليد" فيصفعها على وجهها المحقون بدماء التعب والمكسو بعرق الصّبر؟ ألا تدرك أنها خالفت أحد أهم وأعظم القوانين في دولتنا التي تعج بالقوانين الرائعة والمفيدة للبشرية جمعاء؟ كيف ستأمن العائلة على أبنائها من هذه الشريرة وتضمن أنها ستربّيهم تربية حسنة؟ كيف ستنال مجددّاً شرف إرسالها في هذا "اللاهوب" إلى الجمعية لتشتري كامل احتياجات "المعزبة" قبل أن تبدأ مراحل الطبخ والنفخ والفرش والغسل والكنس وتلبيس الأطفال بعد "تسبيحهم" وكي الثياب وغيرها؟ أمامها فرصة عظيمة لتعمل ٢٤ في اليوم وتنال مقابلاً لا يتجاوز أحياناً ستون ديناراً وتضيعها من أجل شربة ماء؟ لابد من توبيخها حتى تحترم قوانين دولتنا المجيدة ولا تجرؤ على مخالفتها مجددا!

 

كما النسر، انقضضت عليها، راحت تنتفض خوفاً بين يدي؟ كيف لا وأنا من قبض عليها متلبسة بالجرم المشهود!

 

صرت أصرخ فيها، وأعربد وأزبّد، اجتمع الناس من حولنا، كلما ازدادوا كلما زدت من حتقي عليها وبينت كم أنا غيور على الدين! ليس رياءً والعياذ بالله لكن لتعلم أن لله رجالاً لا يخافون فيه لومة لائم، حاول بعض أعداء الدين فكاكها مني، لكن يد الله كانت معي!

 

نزلت فيها ضرباً مبرحا طمعاً بمزيد من الأجر، كيف لا ونحن في رمضان، والله يضاعف لمن يشاء بغير حساب، نقلوها إلى المستشفى، وهنا حدث ما لم يكن بالحسبان!

 

استدعاني المحقق، ضابط صغير السن يبدو من المخدوعين بلهو الحياة الدنيا، ففاجأني بالقول أن للمرأة ظروفاً شهرية يحق لها فيها الإفطار، ثم قدّم لي تقريراً حول مرض السكر الذي تعاني منه الخادمة ويبيح لها عدم الصيام، قبل أن يريني الصليب والإنجيل اللذين كانت تحملهما معها!

 

لحظات وجاءنا خبر وفاة الخادمة، ولا أفهم لماذا وضعت الأغلال على يدي؟ أهذا جزاء من يطبّق شرع الله وقوانين الدولة؟ لا يهم، فإن لي الأجر، وهي ذهبت إلى الجحيم!

 

***

ملاحظة: القصة خيالية، لكن يمكن للواقع أن يكون أقبح!

 

 

أحمد الحيدر

@alhaidar

 نُشرت في جريدة "الكويتية" ٤ آغسطس ٢٠١٣